السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عدم التقديم بين يديه وعدم رفع الصوت عنده- صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ [الحجرات: 1، 2].
ففي هاتين الآيتين جملة من الآداب التي أدّب الله بها المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأولها عدم التقديم بين يديه، أي: لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، ولا تقطعوا أمرًا دون الله ورسوله، ولا تعجلوا به، وقد ذكر ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الآية: لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: لا تقولوا خلاف القرآن والسنة.
وعن مجاهد أنه قال فيها: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه.
وعن سفيان الثوري: لا تقضوا أمرًا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وثانيها: عدم رفع الصوت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نهى الله عن ذلك كما هو صريح في الآية السابقة، وقد ذكر البخاري أن سبب نزول هذه الآية: أنه لما قدم وفد بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم ، أشار أبو بكر رضي الله عنه أن يؤمر عليهم القعقاع بن معبد، وأشار عمر رضي الله عنه أن يؤمر عليهم الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، فقال له عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ(2).
وهذا نهي عام لكل أحد يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدخل فيه من يرفع ويقدم كلام إمامه وشيخه على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره، كما كان يكره في حياته، لأنه محترم حيًا وفي قبره صلوات الله وسلامه عليه(3).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله-: «ومعلوم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كحرمته في أيام حياته، وبه تعلم أن ما جرت به العادة اليوم من اجتماع الناس قرب قبره صلى الله عليه وسلم وهم في صخب ولغط وأصواتهم مرتفعة ارتفاعًا مزعجًا كله لا يجوز، ولا يليق، وإقرارهم عليه من المنكر، وقد شدد عمر رضي الله عنه بالنكير على رجلين رفعا أصواتهما في مسجده صلى الله عليه وسلم ، وقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربًا»(4).
كما نهى الله في الآية عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه، بل يخاطب بسكينة ووقار واحترام، كما قال تعالى: لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63].
6- تحريم إيذائه صلى الله عليه وسلم :
حرَّم الله على الأمة إيذاءَه صلى الله عليه وسلم ببعض ما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضًا، وذلك مثل نكاح أزواجه من بعده، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد خصه الله بأحكام وشرَّفه بمعالم ومعانٍ لم يشاركه فيها أحد، تمييزًا لشرفه وتنبيها على مرتبته، قال تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [الأحزاب: 53].
ومعنى الآية: أنه لا يصح ولا يستقيم أن تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي شيء كائنًا ما كان، ومن جملة ذلك زواج زوجاته من بعده، لأنهن أمهات المؤمنين، ولا يحل للأولاد نكاح الأمهات، وإذا كان يحرم إيذاؤه على هذا الوجه المخصوص، فإيذاؤه بسبه، أو الطعن عليه، أو أي لون من ألوان الإيذاء يكون أشد وأنكى، وقد لعن الله في كتابه من آذى الله ورسوله، فقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب: 57]، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، ومن أبعده الله فهو المحروم، ولا يرجى له خيرٌ أبدًا، والآية قد لعنته في الدنيا والآخرة، ومن أبعد في الآخرة فقد خاب وخسر، لأن الله لم يحصر جزاءه في الإبعاد، بل أوعده بالعذاب فقال: وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا.
ويا ليت المجرمين المنحرفين بعد ذلك يكفون عن إيذائه، ونحن نسمع بين الحين والآخر من يتعرض بما لا يليق لشخصه صلى الله عليه وسلم ، ووعيدهم عند الله شديد، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.
7- وجوب طاعته واقتفاء أثره صلى الله عليه وسلم :
إن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى مبينًا وجوب النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم في كل خلاف: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65]،
في هذه الآية يقسم رب العالمين بربوبيته لرسوله صلى الله عليه وسلم مخاطبًا له في ذلك خطاب التكريم، وقد بينت الآية أن الإيمان لا يكون صحيحًا إلا بثلاثة أمور لا بد من تحقيقها: الأول: تحكيمه صلى الله عليه وسلم في كل قضية وقع فيها شجار أو خلاف، والثاني: عدم وجود حرج أو ضيق من حكمه صلى الله عليه وسلم ، والثالث: التسليم والإذعان والانقياد لحكمه عليه الصلاة والسلام، وهذه الآية تدل على عظمة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله تعالى أوجب الانقياد لحكمه وبالغ في ذلك الإيجاب، وبين أنه لا بد من حصول ذلك الانقياد في الظاهر وفي القلب، وذلك ينفي صدور الخطأ عنه صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ محمد رشيد رضا: «واستدلوا بالآية أيضًا على أن النص لا يعارض ولا يخصص بالقياس، فمن بلغه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ورده بمخالفة قياسه له فهو غير مطيع للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا ممن تصدق عليه الخصال الثلاثة المشروطة في صحة الإيمان بنص الآية، ومخالفة نص القرآن بالقياس أعظم جرمًا وأضل سبيلاً، وتدل الآية بالأولى على بطلان التقليد فمن ظهر له حكم الله أو حكم رسوله صلى الله عليه وسلم في شيء وتركه إلى قول الفقهاء الذين يتقلد مذهبهم كان غير مطيع لله ولرسوله كما أمر الله عز وجل، وإذا قلنا: إن للعامي أن يتبع العلماء فليس المعنى أنه يتخذهم شارعين ويقدم أقوالهم على أحكام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم المنصوصة، وإنما يتبعهم بتلقي هذه النصوص عنهم والاستعانة بهم على فهمها، لا في آرائهم وأقيستهم المعارضة للنص»(5).
وعليه أقول: إن كل حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه جامعوا الصحاح، أو صححه من يرجع إليه في التصحيح من أئمة الحديث تعيَّن على كل مؤمن بالله ورسوله الأخذ به وقبوله ظاهرًا وباطنًا، وأن لا يلتمس مخارج لرده أو تأويله، ليخرج به عن ظاهره، لمذهب تقلده، أو عصبية نشأ عليها، وقال الإمام الفُلاني في «إيقاظ الهمم»: «إن حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نص كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب نقضه ومنع نفوذه، ولا يعارض نص الكتاب والسنة بالاحتمالات العقلية والخيالات النفسانية والعصبية الشيطانية، بأن يقال: لعل المجتهد قد اطلع على هذا النص وتركه لعلةٍ ظهرت له، أو أنه اطلع على دليل آخر ونحو هذا، مما لهج به فرق الفقهاء المتعصبين، وأطبق عليه جهلة
عدم التقديم بين يديه وعدم رفع الصوت عنده- صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ [الحجرات: 1، 2].
ففي هاتين الآيتين جملة من الآداب التي أدّب الله بها المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأولها عدم التقديم بين يديه، أي: لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، ولا تقطعوا أمرًا دون الله ورسوله، ولا تعجلوا به، وقد ذكر ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الآية: لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: لا تقولوا خلاف القرآن والسنة.
وعن مجاهد أنه قال فيها: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه.
وعن سفيان الثوري: لا تقضوا أمرًا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وثانيها: عدم رفع الصوت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نهى الله عن ذلك كما هو صريح في الآية السابقة، وقد ذكر البخاري أن سبب نزول هذه الآية: أنه لما قدم وفد بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم ، أشار أبو بكر رضي الله عنه أن يؤمر عليهم القعقاع بن معبد، وأشار عمر رضي الله عنه أن يؤمر عليهم الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، فقال له عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ(2).
وهذا نهي عام لكل أحد يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدخل فيه من يرفع ويقدم كلام إمامه وشيخه على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره، كما كان يكره في حياته، لأنه محترم حيًا وفي قبره صلوات الله وسلامه عليه(3).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله-: «ومعلوم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كحرمته في أيام حياته، وبه تعلم أن ما جرت به العادة اليوم من اجتماع الناس قرب قبره صلى الله عليه وسلم وهم في صخب ولغط وأصواتهم مرتفعة ارتفاعًا مزعجًا كله لا يجوز، ولا يليق، وإقرارهم عليه من المنكر، وقد شدد عمر رضي الله عنه بالنكير على رجلين رفعا أصواتهما في مسجده صلى الله عليه وسلم ، وقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربًا»(4).
كما نهى الله في الآية عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه، بل يخاطب بسكينة ووقار واحترام، كما قال تعالى: لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63].
6- تحريم إيذائه صلى الله عليه وسلم :
حرَّم الله على الأمة إيذاءَه صلى الله عليه وسلم ببعض ما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضًا، وذلك مثل نكاح أزواجه من بعده، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد خصه الله بأحكام وشرَّفه بمعالم ومعانٍ لم يشاركه فيها أحد، تمييزًا لشرفه وتنبيها على مرتبته، قال تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [الأحزاب: 53].
ومعنى الآية: أنه لا يصح ولا يستقيم أن تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي شيء كائنًا ما كان، ومن جملة ذلك زواج زوجاته من بعده، لأنهن أمهات المؤمنين، ولا يحل للأولاد نكاح الأمهات، وإذا كان يحرم إيذاؤه على هذا الوجه المخصوص، فإيذاؤه بسبه، أو الطعن عليه، أو أي لون من ألوان الإيذاء يكون أشد وأنكى، وقد لعن الله في كتابه من آذى الله ورسوله، فقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب: 57]، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، ومن أبعده الله فهو المحروم، ولا يرجى له خيرٌ أبدًا، والآية قد لعنته في الدنيا والآخرة، ومن أبعد في الآخرة فقد خاب وخسر، لأن الله لم يحصر جزاءه في الإبعاد، بل أوعده بالعذاب فقال: وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا.
ويا ليت المجرمين المنحرفين بعد ذلك يكفون عن إيذائه، ونحن نسمع بين الحين والآخر من يتعرض بما لا يليق لشخصه صلى الله عليه وسلم ، ووعيدهم عند الله شديد، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.
7- وجوب طاعته واقتفاء أثره صلى الله عليه وسلم :
إن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى مبينًا وجوب النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم في كل خلاف: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65]،
في هذه الآية يقسم رب العالمين بربوبيته لرسوله صلى الله عليه وسلم مخاطبًا له في ذلك خطاب التكريم، وقد بينت الآية أن الإيمان لا يكون صحيحًا إلا بثلاثة أمور لا بد من تحقيقها: الأول: تحكيمه صلى الله عليه وسلم في كل قضية وقع فيها شجار أو خلاف، والثاني: عدم وجود حرج أو ضيق من حكمه صلى الله عليه وسلم ، والثالث: التسليم والإذعان والانقياد لحكمه عليه الصلاة والسلام، وهذه الآية تدل على عظمة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله تعالى أوجب الانقياد لحكمه وبالغ في ذلك الإيجاب، وبين أنه لا بد من حصول ذلك الانقياد في الظاهر وفي القلب، وذلك ينفي صدور الخطأ عنه صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ محمد رشيد رضا: «واستدلوا بالآية أيضًا على أن النص لا يعارض ولا يخصص بالقياس، فمن بلغه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ورده بمخالفة قياسه له فهو غير مطيع للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا ممن تصدق عليه الخصال الثلاثة المشروطة في صحة الإيمان بنص الآية، ومخالفة نص القرآن بالقياس أعظم جرمًا وأضل سبيلاً، وتدل الآية بالأولى على بطلان التقليد فمن ظهر له حكم الله أو حكم رسوله صلى الله عليه وسلم في شيء وتركه إلى قول الفقهاء الذين يتقلد مذهبهم كان غير مطيع لله ولرسوله كما أمر الله عز وجل، وإذا قلنا: إن للعامي أن يتبع العلماء فليس المعنى أنه يتخذهم شارعين ويقدم أقوالهم على أحكام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم المنصوصة، وإنما يتبعهم بتلقي هذه النصوص عنهم والاستعانة بهم على فهمها، لا في آرائهم وأقيستهم المعارضة للنص»(5).
وعليه أقول: إن كل حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه جامعوا الصحاح، أو صححه من يرجع إليه في التصحيح من أئمة الحديث تعيَّن على كل مؤمن بالله ورسوله الأخذ به وقبوله ظاهرًا وباطنًا، وأن لا يلتمس مخارج لرده أو تأويله، ليخرج به عن ظاهره، لمذهب تقلده، أو عصبية نشأ عليها، وقال الإمام الفُلاني في «إيقاظ الهمم»: «إن حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نص كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب نقضه ومنع نفوذه، ولا يعارض نص الكتاب والسنة بالاحتمالات العقلية والخيالات النفسانية والعصبية الشيطانية، بأن يقال: لعل المجتهد قد اطلع على هذا النص وتركه لعلةٍ ظهرت له، أو أنه اطلع على دليل آخر ونحو هذا، مما لهج به فرق الفقهاء المتعصبين، وأطبق عليه جهلة